إن حاسة السمع هبة من الله ليتعرف بها الإنسان على العالم الخارجي و يحقق العبودية لله و يشكره على النعم الكثيرة التي سخرها له: "قل هو الذي جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة، قليلا ما تشكرون" الملك 23.و للإشارة فقد ذكر السمع 185 مرة في القرآن الكريم.
و السمع عملية تبدأ بالصوت المنبعث الذي يُعد المصدر، و يمر بالأذن التي تستشعر الصوت و تلتقطه، و تنتهي بمركز السمع بالمخ (الشكل 1). و اللغة هي وسيلة التواصل بين البشر، و هي الأداة التي يتم بها نقل الأفكار و تداولها.
واللغة أيضا مركبة من كلمات، والكلمات مكونة من حروف، والحروف تتمايز بمخارجها وإيقاعاتها التي ساهمت في صياغتها حاسة السمع.
وتظهر حاسة السمع عند منتصف الشهر الخامس من الحمل، حيث لوحظ أن الجنين يسجيب، بعد هذا العمر من الحمل، لأي منبه سمعي بإغلاق جفنيه اللذين يكونان عادة مفتوحين. و هكذا فإن الجنين يسمع أمه ويشعر بدقات قلبها. وفي حوالي الشهر السابع، تبدأ قدرة الجنين على سماع الأصوات الحادة وتمييزها، ويبدأ بتخزين الصوت الأكثر تكراراً وهو صوت أبيه، ولذلك عند مولده، يتعرف بسهولة على صوت أبيه، ذلك الذيكان قد اختزنه في ذاكرته أثناء الحياة الجنينية لتكراره.
و السمع هي الحاسة التي تباشر عملها منذ الولادة لهذا أمرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالأذان في أذن المولود لتكون أول معلومة (مجموعة صوتية) تدخل كيانه هي الكلمات الطيبات من التكبير و الشهادتين و الحيهلة للصلاة و الفلاح فالتكبير و التهليل. وعن أبي رافع قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة). رواه أبو داود والترمذي وقالا حديث صحيح , وحسنه الألباني. يقول ابن قيم الجوزية متحدثا عن سر الأذان في أذن المولود اليمنى: "أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر الأذان إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر".
و الصوت ينتقل كموجة من خصائصها السرعة و التردد و الشدة، فسرعة الصوت في الهواء حوالي 340 م/ثانية، و تتأثر بالحرارة: فهي 331 م/ثانية في 0° درجة و 343 م/ثانية في 20° درجة.
أما في السوائل فهي أكبر بكثير فتصل إلى 1440 م/ثانية في الماء و في المواد الصُلبة تصل إلى 3500 م/ثانية كالنحاس و 5000 م/ثانية في الفولاذ.
أما التردد فهو الذي يحدد الحيز المسموح به و غير المسموح به،فالأذن البشرية تستطيع أن تميز الأصوات من 20 إلى 20000 هيرتز، و هي بعبارة أخرى من الأصوات الخفيضة إلى الحادة (الشكل 2). و خارج هذا النطاق هناك الموجات فوق السمعية التي لا يستطيع الإنسان سماعها و يكون ترددها أكثر من 20000 هيرتز.
و أما الموجات تحت السمعية فهي التي لا يستطيع الإنسان سماعها و يكون ترددها أقل من 20 هيرتز. و الأذن تحس بالألم حسب الشدة، و ذلك ابتداء من 105 ديسبل(الشكل
و لتمثيل الشدة نعطي أمثلة كما يلي:
130 ديسبل(dB): محرك طائرة عند الإقلاع من بعد 25 متر
120 ديسبل(dB): رعد من أعلى
110 ديسبل(dB): قطار يمر عن قرب
100 ديسبل(dB):مصنع حدادة في أوج حيويته
90 ديسبل(dB): ضجيج سياقة مكثف
80 ديسبل(dB): طريق أو قاعة اجتماع
70 ديسبل(dB): داخل قطار يجري
60 ديسبل(dB): محادثة عادية
50 ديسبل(dB): شقة عادية
40 ديسبل(dB): حي هادئ أو بادية
30 ديسبل(dB): شقة في حي هادئ
20 ديسبل(dB): خارج هادئ جدا
10 ديسبل(dB):ستيديو للتسجيل
0 ديسبل(dB): عتبة السمع
من الأمور اللطيفة كذلك أن القرآن الكريم في أغلب الآيات يقدم السمع على البصر، ذلك لأن السمع هو أول حاسة تستأنف نشاطها بعد الولادة، عكس البصر الذي يبدأ عمله بعد فترة من الولادة. و كذلك أن الوحي تلقاه الرسول صلى الله عليه و سلم بالسماع و بلغه بالسماع حيث جاء في نصوص لغوية.
أما الأحاديث التي تتحدث عن أحوال الموت فمنها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه (1314): أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها يا ويلها أين يذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمع الإنسان لصعق).
فقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج: 3 ص: 185 في قوله (لصعق) أي لغشي عليه من شدة ما يسمعه، فهنا ابن حجر رحمه الله تعالى يتحدث عن الشدة التي لم يسمح للإنسان أن يسمعها مباشرة و لكن جعلها الله من الغيبيات. فهذا حال الميت أثناء الجنازة.
أما في القبر فإن الكافر و المنافق فله شأن آخر، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدا من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعا. و أما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين). أخرجه البخاري(1338) و مسلم(2870).
قال الحافظ في الفتح (3/240): (يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين). و هذا يدخل فيه الحيوان.
و المراد بالثقلين الإنس والجن، قيل لهم ذلك لأنهم كالثقل على وجه الأرض. قال المهلب: الحكمة في أن الله يسمع الجن قول الميت: قدموني، ولا يسمعهم صوته إذا عذب بأن كلامه قبل الدفن متعلق بأحكام الدنيا، وصوته إذا عذب في القبر متعلق بأحكام الآخرة، وقد أخفى الله على المكلفين أحوال الآخرة، إلا من شاء الله إبقاء عليهم كما تقدم).
و عندما نتحدث عن الحيوان غير المكلف فقدرته السمعية تختلف عن الإنسان. فهي مثلا عند الخيول أقوى من مثيلتها عند الإنسان، فالخيل تملك آذاناً كبيرة ومتحركة تدور بحُرًٌية لالتقاط الصوت من كل الجهات، كما يميزها بردة الفعل الخاص لصوت الإنسان.
و الكلاب و الدرافيل و الطيور و الضفادع تتمكن من رصد ذبذبات فوق صوتية، و هو ما لا يمكننا سماعه.
أما الأسماك فليس لديها إلا الأذن الداخلية، و لكنها تتمتع بعضو حسي إضافي بطول جسمها (الخط الجانبي) يمكنها من الإحساس بالأصوات (الذبذبات).
وتتمتع كثير من الحيوانات "بشُعَيرات" حساسة لذبذبات الهواء (و بالتالي للأصوات). وبعضها لديه "أذن" في قوائمه (كفراش الليل أو صرصار الليل مثلا).
فالبحوث التي أجريت في الصين بعد إقامة جهاز (السيسموغراف) المتنبئ بالزلازل، بينت أن الحيوانات هي أكثر المخلوقات تنبؤاً بالزلازل، وأنها تقوم بتصرفات مخالفة لطبيعتها قبل وقوع تلك الزلازل.
فالأفاعي مثلا تهجرجحورها، والخنازير تهيج في حظائرها، والدجاج يهجر الحظيرة، والكلاب ترفض إطاعة أي أمر.
أما سمك (الويلز) فإنه يغير من عاداته في السير ويضطرب كثيرا، وهذا يعني أن زلزالا ما على وشك الحدوث، والأمر لا يقتصر على الحيوانات الأليفة، بل يتعداها إلى الحيوانات المفترسة التي تشعر بالزلازل على بعد أكثر من 150 كم.
فالإوز هرب من برك الماء، واعتصم في قمم الأشجار. أما الأبقار فقد حطمت حظائرها لتنطلق إلى الخارج، والكلاب لا تهدأ عن النباح، والفئران أخذت تتجه إلى الشوارع على غير عاداتها.